jeudi 13 septembre 2007

تأجيل تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي غير جائز وغير ممكن

تأجيل تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي غير جائز وغير ممكن

أرشـد الهرمزي

كثر الحديث عما فقده العراق خلال العقود الأخيرة من الزمن وخاصة في سنوات ما بعد احتلال القوات الأجنبية لأرض العراق عام 2003. وقد يشعر المرء أنه وبالرغم من المشاكل المستعصية التي يواجهها البلد والنار التي تحرق مقوماته، فأنه لم يتبدل شيء في البنية الأساسية العامة. هناك حكومة وأحزاب وصحف تصدر، هناك أناس يزاولون مهنهم وهناك دجلة والفرات لا يزالان يرويان العطش العراقي

ولكن هناك حتما شيء مفقود، وهو مفهوم الدولة. فالدولة عقد اجتماعي تنضوي بموجبه مجموعات بشرية تحس بالانتماء إلى أرض معينة فتنشأ الدولة التي تحميهم ويحمونها. والدولة قائمة بمؤسساتها، فاذا فرطتم في مؤسسات الدولة مثل الجيش والأمن والإعلام وحماية الحدود فإنكم تخلون بمفهوم الدولة الأساسي، وهذا ما حصل ما بعد نيسان ابريل عام 2003

كما أن من مقومات الدولة، سيادة القانون ورفعته وتساوي الناس من حيث الحقوق والواجبات. فإذا بدأ التفريط بذلك تراجعت سيادة القانون وبدأت شريعة المتحزبين تأخذ منحاها لخلق مسارب حقوقية مختلفة وليست مشتركة. وللأسف فهذا ما حصل أيضا من انفراد بعض المذاهب والمجموعات العرقية بقوانينها ومحاكمها وتطبيقاتها. وعندما تبدأ مجموعة عرقية بنبذ علم الدولة المعترف به قبل الاتفاق على تبديله والادعاء بأنه لا يمثله، وإذا كانت المحاكم لا تصدر قراراتها " باسم الشعب" ولكن باسم مجموعة اثنية أو مذهبية، وإذا كانت بعض المحافظات تختار لمراسلاتها لغة أجنبية غير المعتمدة في دستورها فأنه يكون من المتعذر الحديث عن مفهوم الدولة وسيادة مبادئها

ولا يمكن إعداد دستور أساسي على عجل والادعاء بأنه قد تم تشكيل الدولة وفق ذلك. فلكي تتجذر الدولة يجب أن تحترم قوانينها وأن تحترم المجموعة التي تصدر الدستور مبادئه الأساسية دون اختيار حزمة ترضيها لتطبقها وتنبذ ما تبقى منه

وما دمنا نتحدث عن الدستور، فمن الأوفق أن نلقي نظرة على الدستور "الدائم" الذي يطبق حاليا في العراق. والدستور في ذاته يمكن أن يتغير من حيث بعض مبادئه أو أحكامه أو أن يصيبه التغيير الشامل بتوافق عناصر الشعب على مثل هذا التغيير. ولكن التغيير يجب أن يكون وفق أحكام ومبررات وأسس. ولحين ذلك يفترض أن الأحكام والمباديء تطبق بدون استثناءات لم ينص عليها الدستور. وفي حالة عدم الالتزام بذلك تنشأ تطبيقات مخالفة لأحكامه تقلل من هيبة الدولة

هل تم خرق الدستور العراقي النافذ؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نقرأ مليا ماذا كان في ذهن من برمج هذا الدستور على عجل، والملاحظ أن كتلة بذاتها لا يهمها من الموضوع إلا تطبيق المادة 140 منه والمتعلقة بمصير كركوك والأراضي المتنازع عليها

وجوابا على ذلك، نقول، أجل. لقد تم خرق الدستور ولا زال يخرق يوميا في عمليات مكشوفة وبارزة للعيان دون أن يطرف طرف لمن يزاولون مثل هذا الإثم القانوني. والأمثلة كثيرة يصعب حصرها ولنكتفي بإيراد جملة منها

فالمادة 9/1 في فقرتها "ب" تنص على

" يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة "

ورغم ذلك فإذا قامت مجموعة باستثناء ميليشياتها في الجنوب أو الشمال فإن احترام هذه المادة يكون منقوصا، ولا ينفع الادعاء بأن مثل هذه الميليشيات مثل"البيشمركة" هي قوات نظامية وحرس للإقليم فليس هناك في الدستور ما يسمح بذلك، كما أن لفظ البيشمركة بذاتها وترجمتها التي تعني الفدائي الجاهز للموت يدل على طبيعتها

ولنفرض جدلا بأننا التمسنا حسن النية وقبلنا بالطرح المذكور، ففي هذه الحالة فإن نظرة إلى الفقرة أ من المادة ترينا مدى تناقض الموضوع، فهذه الفقرة تقول

تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون أداة لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة

ولسنا وحدنا من ندعي بأن هذه القوات لا تتوافق مع هذه القواعد الدستورية، فالقائمون عليها لا يخفون ذلك. وإذا سلمنا بأن هذه قوات نظامية فالفقرة الثانية من المادة تنص على أن تأسيس القوات النظامية يتم بقانون، ولم نسمع لحد الآن قانونا مركزيا باسم قانون البيشمركة

ولما كانت المادة الثالثة عشر من الدستور تنص على أن هذا الدستور هو القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزما في جميع أنحائه وأنه لا يجوز سن قانون يتعارض معه ويقع باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه فلا يمكن الاعتداد بمثل هذه الطروحات

تناقض الدستور والتطبيقات: حق الملكية

من المعلوم أن الدستور يضمن حق تملك العراقيين لأموال غير منقولة في جميع أرجاء العراق، ونعلم أن التطبيقات في شمال العراق مغايرة لذلك ويسري ذلك على حق العمل أيضا والكل يعرف تطبيقات عدم السماح لغير الأكراد في الإقامة أو العمل في المحافظات الشمالية إلا بمعرفة كفيل ضامن، ولكن المؤلم أن الدستور ينص في إحدى فقراته أنه لا يجوز التملك في منطقة معينة بهدف تغيير الطابع الديموغرافي في تلك المنطقة كما ورد في الفقرة ب من المادة 42/1، بينما يجري التملك سواء بالتهديد أو الترغيب على قدم وساق في كركوك والأراضي المتنازع عليها! علاوة على الإخلال بأحكام المادة السابعة والعشرين والتي تنص على حرمة الأموال العامة ووجوب حمايتها من كل قبل كل مواطن بينما تحتشد المجموعات النازحة في مقرات حزب البعث المستولى عليها وثكنات الجيش ودورها السكنية والملاعب الرياضية ومقرات الأمن والأراضي الزراعية والأميرية

دور رئيس الجمهورية

نص الدستور العراقي على أن نظام الحكم برلماني وتدار شؤون الدولة من قبل السلطة التنفيذية، ورغم أن لرئيس الجمهورية سلطات واسعة فقد نص الدستور شأنه في ذلك شأن دساتير جميع الأنظمة البرلمانية أنه يجب أن يكون محايدا وأورد الدستور نص اليمين الذي يلقيه شأنه في ذلك شأن أعضاء مجلس النواب والذي يقر فيه بأنه يؤدي واجبه بتفان وإخلاص ويرعى مصالح الشعب ويسهر على سلامة أرض العراق وسمائه ومياهه وثرواته ويلتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد

وهذا الحياد ناجم على أنه رأس الدولة وليس رئيسا لكتلة واحدة مما يتعارض مع كونه رئيس لحزب واحد وتصريحاته المختلفة التي تمثل حزبه وليس مجمل الشعب العراقي. إننا على ثقة بأن رئيس جمهورية العراق وهو حقوقي، سيشعر بالأسف يوما ما لكونه قد خالف مباديء الدستور ونصوص القانون وروحه

المادة 140 وتطبيقاتها

أضحى موضوع المادة 140 شأنا يستوجب الاهتمام الدولي والإقليمي والمحلي، مما أفشل مخططات تمريرها في ظلمة الليل وهي مستقاة من بعض مواد قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية الصادر في 8 آذار (مارس) 2004 وهما تحديدا المادتان 53 و58 فبينما كانت المادة 53 تنص في الفقرة ج

يحق لمجموعة من المحافظات خارج إقليم كردستان، فيما عدا بغداد وكركوك، تشكيل أقاليم فيما بينها، وللحكومة العراقية المؤقتة أن تقترح آليات لتشكيل هذه الأقاليم، على أن تطرح على الجمعية الوطنية المنتخبة للنظر فيها وإقرارها، يجب الحصول بالإضافة إلى موافقة الجمعية الوطنية على أي تشريع خاص بتشكيل إقليم جديد على موافقة أهالي المحافظات المعنية بواسطة استفتاء

أما المادة 58 فكانت تنص على إيجاد حل عادل ودون التطرق إلى ضرورة الاستفتاء بل الاحتكام إلى إرادة سكان تلك الأراضي

تؤجل التسوية النهائية للأراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، إلى حين استكمال الإجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف، والى حين المصادقة على الدستور الدائم، يجب أن تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مبادئ العدالة، آخذا بنظر الاعتبار إرادة سكان تلك الأراضي

وقد جرى الإجهاز على منطوق الفقرة ج من المادة 53، في حين أصبحت المادة 140 الحالية كما يلي

ثانياً – المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة(58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملة التطبيع، الإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول ألفين وسبعة


هل المادة 140 مطلقة أم مؤقتة؟

الجواب على هذا السؤال يكمن في صلب الدستور، فقد وردت ضمن باب الأحكام الانتقالية. يتبين من هذا أن المادة مؤقتة ومحكومة بتاريخ معين وينتهي حكم المادة في حالتين، إما تطبيقها بكاملها أو حلول الأجل المذكور فيها أيهما أقرب

من هذا المنطلق ونظرا لعدم إتمام مقومات المادة 140 من تطبيع وإحصاء، ونظرا لمعرفة الجميع بأن تطبيق هذين الشرطين متبوعا بإجراء استفتاء لا يمكن عمليا خلال الأشهر المتبقية من عام 2007 بأي حال من الأحوال فان حلول نهاية يوم الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول 2007 يكون موعدا لإلغاء هذه المادة ولا يمكن الحديث عن تطبيقها أو إجراءاتها بعد هذا التاريخ

وحيث أن تعديل مواد الدستور لا يمكن أن يتم بقرار من مجلس الوزراء أو حتى مجلس النواب بل بتعديل دستوري ونظرا لاستحالة إجراء مثل هذا التعديل في الوقت الراهن وقبل البدء في النظر في كامل التعديلات الدستورية فان هذا الحكم الانتقالي يسقط بحلول الأجل

هل يمكن تأجيل الاستفتاء المزمع في كركوك؟

بدأت بعض الجهات التي أيقنت من استحالة إجراء الاستفتاء المزمع لغاية نهاية عام 2007 بالحديث مرغمين عن إمكانية تأجيله لبضعة أشهر وإجرائه في عام 2008. والسبب في هذا التغير من الموقف هو إحساسهم بالخطر الذي يكتنف مخططهم في إجراء استفتاء جهزت له المستلزمات الكاملة من زحف سكاني وسيطرة على مقاليد الأمور في المدينة ولمعرفتهم بأن مصير الأحكام الانتقالية محدد بالتاريخ المحدد لها

إن الدستور العراقي الذي يتمسكون به ينص هو الآخر على آليات تغيير مواد الدستور بالنسبة للأحكام غير الواردة في بابي الحقوق الأساسية والمباديء العامة ولا يمكن الاعتداد بأي طلب دون تعديل دستوري

وتنص هذه الآليات على إجراء التعديلات بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب باستفتاء عام وموافقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. إن عدد أعضاء مجلس النواب من الموقعين على التحالف الرباعي والمتكون من الكتلة الكردية وحزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى حتى في حال إقناع أعضاء هذه المجموعة لا يصل إلى 183 صوتا وهي الأصوات المطلوبة بحكم الدستور ، كما أنه لا يمكن إجراء استفتاء عام في مجمل أنحاء العراق لغاية انتهاء السنة، ولذلك فإن الحديث عن تعديل هذه المادة دستوريا غير وارد، ولا يمكن تنفيذ تأجيل أو تحديث على آليات هذه المادة إلا بقرارات عشوائية تدفن الحل الديمقراطي

من هذا المنطلق لا يمكن تأجيل المادة 140 من الدستور العراقي النافذ ولا يمكن تطبيق بنودها، وإذا كان الذين فرضوا هذا الدستور على العراق في غفلة من الزمن وبدعم من المحتل الأجنبي هم المبادرين إلى الإخلال به وتنظيم استفتاء آجل، فإن من الضروري التقدم إلى المحكمة الدستورية بدعوى عاجلة لإبطال هذا الإجراء وإيقاف تنفيذه. وفي حالة الإصرار فإن على القوى الخيرة التي تتمنى الخير للعراق برمته أن تقاطع مثل هذا الاستفتاء المزعوم لعدم إضفاء الشرعية عليه وعدم الاعتداد بنتائجه

إن الإجراءات المتخذة وفق أسس غير شرعية باطلة وغير ناجزة، ويعلم الكل أنه لا يصح إلا الصحيح

Aucun commentaire: